حقوق الإنسان مدخل للأمن

عبد الباسط بن حسن

رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان

أعلنت تونس حالة الطّوارئ في أجواء يخيّم عليها خطر الإرهاب الدّاهم الذي يستهدف السّلم الأهليّة وأسس الدّوليّة المدنيّة وانجازات انتقال ديمقراطيّ مازالت هشّة وفي حاجة للدّعم والاستدامة.

ولقد أثار هذا الإعلان جدلا واسعا بين من مؤيّد القرار إذ  يرى فيه خطوة جديدة في الحرب على الإرهاب وبين من يرفضه ويعتبره مدخلا ممكنا لانتهاك الحقوق والحرّيات وتعلّة للعصف بما أنجزه المجتمع الذي ما زال يحفظ في ذاكرته الجمعيّة استعمالات حالة الطّوارئ في عهود الاستبداد.

إنّ القرار يعيد طرح السّؤال الأبديّ الذي ما ينفكّ يعود بإلحاح عن العلاقة بين الأمن والحرّيات. وهو نقاش هامّ وايجابيّ، لأنّه يدلّ على أنّ مفهومي الحرّية والحقوق الإنسانيّة قد غادرا جزر النّخب والعمل المدنيّ ليصبح أحد اسئلة مجتمعاتنا وأحد عناصر تحوّلات مرحلة تاريخيّة شديدة التّعقيد والصّعوبة.مرحلة ازدادت فيها حدّة الهجوم على حقوق النّاس وعلى مدنيّة الحياة.

ولكنّ طرح سؤال العلاقة بين الأمن والحرّيات مازالت تلفّه ضبابيّة وارتباك ومغالطات عديدة وتلاعب بالمفاهيم تؤدّي في نهاية المطاف إلى التّشكيك في امكانيّة الجمع بينهما وإلى عودة أصوات تبشّر بالاستبداد كوسيلة وحيدة لتحقيق الأمن.

لقد كانت انتهاكات حقوق الإنسان المدنيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والاستبداد والفساد والتجهيل والتّفقير وغياب الحكمة في ادارة التّعدّد والاختلاف والتّشدّد أمراضا نخرت أجساد مجتمعاتنا وعجّلت بانهيار بعضها وتقلّب بعضها الآخر في جحيم الأزمات المتعاقبة. فلا يمكن اليوم أن تقنعنا أصوات دعاة الاستبداد بأن نوهم أنفسنا بأنّها هي التّرياق والشّفاء.

انّنا اليوم مطالبون نخبا ومنظّمات مجتمع مدنيّ ومثقّفات ومثقّفين ومبدعات ومبدعين إلى أن نخرج هذا الطّرح للعلاقة بين الأمن والحرّيات من دوّامة المغالطات والكذب المعمّم وندخله إلى حوارات مجتمعيّة كبرى بلغة جديدة وبيداغوجيا مبدعة ونبرز أنّ حقوق الإنسان والحرّيات هي مداخل لتحقيق الأمن ومواجهة العنف والإرهاب والجهل والفقر.