الشاعر والمربّي البحري العرفاوي في تفاعل مع العدد السابع لمدنيات حول إصلاح المنظومة التربوية

حول الإصلاح التربوي

أو مراجعة العلاقة بين المعلمين والمتعلمين

>>>  ...المعلم لا ينمى فى المتعلم قدراته الذهنية فقط إنما ينمى فيه وعيه بانسانيته وبمعانى الوجود وبالقيم والمبادىء التى يتأسس عليها العمران البشرى ...يتجاوز دوره أسوار المؤسسة التربوية الى مجالات أرحب تسَع الدولة والاعماق الإنسانية ...ربما تجبّر ذو مال بماله وذو سلطة بسلطانه ولكن لا يُنتظر من "عالم" أن يتجبّر بعلمه ،تلك مداخل تداعي المجتمعات الى التحلل والفوضى حين تفقد علاماتها الرمزية التى تتأسى بها فكرا أو ممارسة – لذلك يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من تجبر العلماء-...المتعلمون هم مشاتل الأجيال القادمة المتدافعة على باب الوطن وعلى المستقبل الوطنى يحتاجون تنشئة هادئة تعنى بمختلف أبعادهم التكوينية الذهنية والنفسية والجسدية والروحية وفى الحديث "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ..."لاحظوا كيف ينسب الرسول صلى الله عليه وسلم الصغير الى الأمة كلها ولا يذكره نكرة ،إنه فى مسؤولية الجميع وإن ما يترتب عن طرائق تنشئته لن يكون خاصا بوالديه وإنما بالمجتمع كله .

وفى الطرف المقابل للعملية التعليمية /التربوية يقف المتعلم قبالة معلمه لا ينظر إليه على انه مجرد موظف فى وزارة التربية ولا على كونه سلطة يرتبط بها عموديا ويتوجس منها "أذى"انما ينظر اليه باعتباره منشئا وموجها وذا رسالة حضارية  وتاريخية ووطنية يوقره لعلمه ولرسالته دون تجرد من حق السؤال والنقد والنقاش والمشاركة مع الالتزام بكل ما يقتضيه العلم من مهابة المعرفة وهيبة العارفين ..."تواضع"المتعلم للمعلم هو تواضع للعلم ولرسالة التعليم وذاك من أوكد شروط تحصيل المعرفة حين نوليها مكانتها ...إذا تجرأ المتعلمون على المعلمين بأى درجة من درجات الأذى فتلك مؤشرات بدايات تداعى صرح المجتمع وانهيار رموزه ...إن المجتمعات التى لا تحترم معلميها هى مجتمعات موعودة بالردة نحو البداوة والبدائية .

ما الذى يجعل صورة المعلم تضمر فى عيون المتعلمين ؟كيف تحصل حالات عنف ضد من ائتمنهم الشعب على صغاره؟ كيف تصغر قامة المربى فى نظر عامة أصبحت تعلى من شأن الدينار و تمتهن الأفكار؟كيف أصبحت الأحذية أرفع من الأدمغة؟ تلك أسئلة وغيرها بدأت تتناسل عن بئة بدأت تتجه على عجل نحو "اللامعنى" بحيث يصير السخف واللغو تعبيرا ثقافيا ويصير التمرد على المشترك من القيم المدنية وجهة نظر مختلفة جديرة بالإحترام ويصير الجانحون ذواتٍ إنسانية يُمنع التعامل معها بما يخدش مشاعرها أو يؤذي أبدانها ضمن منهج عقابي ترفضه النظم الحداثية المؤسسة على حقوق الطفل وحقوق الإنسان وحقوق المرأة...حين لا تكون المجتمعات مؤهلة لتمثل "الحرية" بما هي كفاءة ووعي ومسؤولية تنحرف بها نحو الغرائزية والتهمج فلا نستغرب بعدها اعتداء تلميذ أو وليه على مُدرّس داخل حرم المؤسسة ...تنزلق الحقوق في ظل المجتمعات الرخوة نحو "العقوق" ويتجرأ الفارغون على العارفين ويخفت بريق العلم والتربية وتتحول المدارس والمعاهد إلى فضاءات مُسيّجة لعلاقات إكراهية ومتوترة بين المعلمين والمتعلمين. >>> المزيد